اندلعت الثورة، وتسارعت وتيرة الأحداث، وتجوب الأبصار ميدان التحرير وقصر الرئاسة وميادين «النضال» فى المحافظات، إلى أن تنحى مبارك، لتتجه أبصار المصريين والعالم من حولهم إلى مدينة شرم الشيخ، والتى كانت دوما قبلة للرئيس فى ولاياته المتعددة، وكانت قبلته كذلك حينما منحه شعبه لقب «السابق».
تتواتر الأنباء من شرم الشيخ عن صحة الرئيس المخلوع وعن حالته النفسية، ليضاف إلى كل معلومة ــ حتى وان كانت غير مؤكدة ــ محسنات وأمنيات ومخاوف، ينسج منها المتلقى والقاص، حكايات عن «غيبوبة مبارك» وأحوال أهله ومرافقيه، دون جزم لما يجرى فى المدينة المتحولة ــ كعادتها ــ إلى حصن منيع لا تخرج منه معلومة إلا من خلال ساكنيه.
يجول بين العالم الخارجى والرئيس السابق، جيش هائل من الحراس، والذين لم يسلم من إجراءاتهم الصارمة حتى السياح المقيمين على مقربة من «المنفى الاختيارى» الذى اختاره مبارك مؤمنا تأمينا عاليا، ليصبح من الصعب بل من المستحيل الوصول إليه إلا إذا كان القادم من أفراد الحرس الخاص بالرئاسة، حتى السياح المقيمين فى مكان قريب يتعرضون لتفتيش دقيق جدا.
حسين سالم رجل الأعمال الشهير الذى يمتلك وحده ما يقرب من 5 كيلو مترات من المنطقة شيد قصرا فخما لمبارك على ربوة عالية يقال إنه أفخم من قصر محمد الفايد وأسامة بن لادن المشيدين فى شرم الشيخ. ويطل قصر مبارك على البحر مباشرة وله مدخل خاص بطول كيلو متر تقريبا وممنوع الاقتراب أو التصوير فى هذا المدخل، فالحرس فى كل مكان وعلى مسافات متقاربة ولا يدخل سوى شخصيات معينة.
قصر مبارك يقع فى منتجع أرض الجولف وهو أضخم وأغلى فنادق شرم الشيخ وقد تم إقامة قاعة المؤتمرات العالمية الشهيرة والتى تسمى «الكونجرس» على مدخل أرض الجولف على مساحة تقترب من 200 ألف متر مربع خصيصا لتكون قريبة من استراحة الرئيس ومؤمّنة جيدا.
وتحتوى القاعة على مدخل خاص لمبارك وعدد من القاعات المجاورة، وشهدت مؤتمرات عالمية كان آخرها مؤتمر القمة الاقتصادية العربية الذى عقد الشهر الماضى وحضره الرئيس مبارك فى آخر نشاط له على المستوى الدولى وربما على الإطلاق. الوضع لم يتغير فى شرم الشيخ بعد تنحية مبارك، فقد توجهت كل سيارات «الحملة» فى محافظة جنوب سيناء إلى شرم الشيخ لاستقباله كالمعتاد عند وصوله، وفرضت الأجهزة الأمنية إجراءاتها الصارمة «المعتادة» لتأمين الزيارة وفق البروتوكول الرئاسى الذى اعتاد عليه رجال الأمن، ونصبت المتاريس الحديدية واستخدمت الكلاب البوليسية على مدخل الجولف الذى لا يبعد عن المطار سوى كيلو متر تقريبا.
وتحول القصر إلى قصر رئاسى بديل فمبارك مازال يعامل معاملة الرئيس، ويبدو أن المقربين منه لم يتفهموا ذلك بعد. على مدخل المنتجع، سيارات تحمل شخصيات من حرس الرئيس السابق والحزن والوجوم مخيمان على وجوههم، والذين يقيمون فى فندق بالقرب من المطار «على بعد كيلو متر من استراحة الرئيس». وهو نفس الفندق الذى يقيم فيه زكريا عزمى وباقى حاشية مبارك.
يقول مصطفى محمد صالح ــ مستأجر بالمدينة: «تحول كل شبر من المدينة كالعادة إلى ثكنة عسكرية لحراسة مبارك وأسرته، فقد تعرض العاملون فى مجال السياحة للإهانة من قبل رجال حبيب العادلى الذى اختلق على مدار سنوات سابقة قصصا وحكايات خيالية حول أن الرئيس مستهدف وشرم مستهدفة من قبل عناصر إرهابية، وقامت الأجهزة الأمنية بترحيل آلاف الشباب دون أسباب بحجة تأمين الرئيس، مما جعلنا نكره قدوم مبارك للمدينة أو عقد مؤتمرات بها».
ويقول ناجى سمير «لا نرحب بمبارك على أرض شرم الشيخ كرئيس حتى لا نذوق الأمرّين عندما كان يأتى بجحافله من حراسه الشخصيين، وأفضل نتائج الثورة هى الحصول على الحرية التى لا تقدر بمال، فقط الآن أستطيع أن أسير فى كل شوارع المدينة دون أن يقبض علىّ أحد من رجال العادلى الظالمين».
ويقول الشيخ حربى الطربانى ــ من بدو جنوب سيناء: «ضربنا أروع الأمثلة فى حماية المدينة عندما قامت ثورة 25 يناير، بعدما عقدنا اجتماعا مع القيادات الشعبية والتنفيذية بالمحافظة وأكدنا للجميع أننا لن نسمح بأن يدمر أحد مصدر رزقنا وسنظل نحمى جميع المدقات الجبلية حتى لا يدخل أى مخرب للمدينة».
أما إبراهيم حميد فيقول: «دمرتنا كل حكومات حسنى مبارك فالطاغية حبيب العادلى كان يوحى للجميع بأن البدو أعداء الوطن وإرهابيون، وكان يتم القبض علينا دون سبب، ونحن فرحنا برحيل مبارك الذى خدع البدو طوال 30 عاما ولم يملكنا أرضنا بحجة أننا نبيعها لإسرائيل، والحقيقة أن حكومات مبارك هى التى باعت الأراضى للأجانب فى كل أرجاء مصر وليس شرم الشيخ فقط»