عبدالله البرى وعبدالله البحرى
كان عبدالله البرى صياد سمك وكان مستور الحال قادرا على كسب الرزق لنفسه ولزوجته واولاده التسعة . ورزق عبدالله ابنه العاشر وساءت احواله بعد ذلك بدلا من ان تتحسن . فكان يذهب الى شاطىء البحر كل يوم ويقضى الساعات الطويلة دون ان يتمكن من صيد سمكة واحدة واستمر سوء طالع عبدالله على هذا النحو اسابيع , حتى نفدت النقود التى كان ادخرها فى يومه الابيض ليومه الاسود ولاحظ ذلك صديقه الخباز الذى كان عبدالله يشترى منه الخبز لاحظ ذلك نظرا لان عبدالله لم يعد يمر بدكانه لشراء الخبز كل يوم جريا على عادته وكان الخباز شهما كريم النفس بحيث أصر على عبدالله ان يأخد حاجته من الخبز كما كان يفعل فى السابق ثم قال الخباز : ليس من الضرورى ان تدفع لى ثمن الخبز الان استطيع الانتظار حتى تخلص من سوء الحظ الذى حالفك ولا تنسى ان هذه هى احوال الدنيا بالنسبة الينا جميعا فلا نلبث نشعر بالسعة او السعادة حتى يحدث ما يعكر صفونا ثم لا تنس ايضا ان الصديق انما يعرف فى وقت الضيق خذ الان هذا المبلغ فلعلك بحاجة الى شراء
ما يلزمك او يلزم عائلتك من غير الخبز ولا داعى للشعور بالحرج فسيأتى اليوم الذى تستطيع فيه ان تسدد ديونك أخد عبدالله النقود والخبز وهو يشعر شعور المغلوب على امره , العارف لجميل الخباز صديقه ومضت الايام دون ان تتبدل الاحوال , حتى حدث ما لم يكن فى الحسبان اذ اتفق ان رأى عبدالله البرى موكب الملك فيما كان يصيد كعادته على شاطىء البحر وكانت هذه هى المرة الاولى التى رأى فيها صاحبنا الموكب الملكى بعظمته وفخامته الا ان الموكب كان بعيدا فبدأ له كالخيال وتمنى عبدالله لو كان ملكا كالذى راه او وزيرا من وزرائه او حتى خادما فى حاشيته ثم ما لبث ان تصور نفسه كاتبا او امين سر لذلك الملك وفجأة شعر عبدالله بشىء ثقيل الوزن يشد شبكته بقوة الى اسفل البحر وراح يحاول جرها ويعمل على انتشالها وبذل فى سبيل ذلك جهدا كبيرا الا ان فرحه بالسمك الكثير الذى تصوره وتأمل وجوده داخل شبكته غلب على شعوره بالتعب فمضى فى بذل الجهد حتى نجح فى اخراج الشبكة من البحر ولا تسل عن الدهشة البالغة التى غمرت عبدالله حينما
رأى الحمل الثقيل الذى كان داخل شبكته اذ لم يكن ذلك الحمل سمكا وانما كان انسانا مثله والطريف ان ذلك الانسان لم يختلف عن سائر الناس الذين يعيشون على اليابسة بل كان شكله كشكلهم تماما وكان يتكلم مثلهم وانفرجت اسارير عبدالله عندما اكتشف ذلك وراح يتحدث الى ذلك الانسان الغريب ولم يلبث ان عرف ان الرجل الذى انتشله من البحر كان يدعى عبدالله مثله وأنه كان يسكن فى اعماق المياه منذ زمن بعيد وان ثمة دهانا سحريا دهن به جسمه فتمكن من العيش تحت سطح البحر كالآسماك وعرف صاحبنا ايضا ان عبدالله البحرى هذا يملك من كنوز البحر مالا حصر له وما أسرع ما توطدت عرى الصداقة بين عبدالله البرى وعبدالله البحرى وما أسرع ما رافقه فى جولة فى مملكته ولم يفعل ذلك طبعا الا بعد أن دهن جسمه بالدهان السحرى السالف الذكر واظهر عبدالله البحرى من السخاء والكرم ما لم يخطر ببال عبدالله البرى اذ أعطى صديقه من كنوزه ما قد يعجز عن انفاقه فى مدى حياته وخرج عبدالله البرى من البحر بعد ذلك وهو يحمل كنوزه ويترنح يمينا ويسارا
بسبب كثرتها وثقلها وكان اول شىء فكر به عبدالله هو تسديد الديون التى كانت عليه لذلك فقد زار صديقه الفران وأعطاه جانبا كبيرا من الكنوز التى حصل عليها فقد شعر عبدالله نحو ذلك الصديق بدين معنوى يفوق كثيرا الذين المادى الذى كان له فى ذمته فاللهفة التى اظهرها نحوه فى أيام الضيق والكرم الذى عامله به ترك فى نفسه أثرا لا يمحى ولا حتى بكنوزه الكثيرة التى قدمها له وذاعت اخبار ثروات عبدالله البرى ووصلت اسماع الملك واستدعى هذا عبدالله البرى صاحب تلك الثروات وعرض عليه ان يكون رئيس وزرائه ولم يتردد عبدالله فى قبول المنصب وكان عليه ان يلبس ثياب الوزراء قبل أن يباشر مهام منصبه وحينما بدأ عبدالله فى خلع ثيابه أستقيظ من نومه الذى كان قد غط فيه وهو يحاول الصيد على شاطىء البحر ثم عاد اليه الاحساس على الصحو بثقل الشبكة التى كان يجرها فتابع جرها بصعوبة اذ كانت مليئة بالاسماك فعلا لا بعبدالله البحرى أو الجوى فكان من بعد ذلك أن قضى ديونه وتحسنت احواله وأبتسم له الحظ من جديد وأتسعت له سبيل العيش .