حرية مقابل عدم الأمان لا يمكن أن تكون هى المعادلة المصرية الراهنة، «خذ حرية أمنحك خوفاً» شعار يجب أن يثور عليه المصريون مثلما ثاروا ثورتهم العظيمة فى يناير، من الممكن والطبيعى والبديهى والواجب أن تجتمع الحرية مع الأمان والأمن والسكينة، نستطيع أن نجمع الاثنين، ليس هذا بديلاً عن ذاك على الإطلاق، الثورة جموح وتمرد وكسر قيود وتحرر، ولكنها ليست بالضرورة انفلاتاً أمنياً وسيادة بلطجة ومواطناً مرتعشاً خائفاً على حياته وبيته وأولاده، المواطن المرتعش لا يستطيع أن يبنى وطناً حراً، المصريون بوجود العزم والإصرار والإرادة والطموح والخيال استطاعوا إسقاط النظام، ولكن البلطجية فى غياب الأمن وسيادة الخوف والفزع والرعب سيسقطون الدولة!!، الدولة الكيان، الدولة الروح، الدولة الوطن والناس.
عمال يقتحمون مكتب مدير مصنع ويوسعونه ضرباً حتى الموت!، بلطجية يحتلون قسم الرمد فى مستشفى قصر العينى ويهددون الأطباء، أمناء شرطة يحرقون وزارة الداخلية، غوغاء يدخلون الشقق الفاضية ويسكنونها ويرفضون الخروج، بناء سرطانى على أراض زراعية، نشوة سير فى الممنوع وكسر لكل قواعد المرور، قطاع طرق يهددون الآمنين فى الشوارع... إلخ، جملة خالدة على كل لسان تقال الآن «ابقى ورينى الشرطة هتعمل لك إيه»!!
سيناريو بشع دراكولى مأساوى لا علاقة له بثورة المصريين، ولكن له علاقة بسلوكيات بعض المصريين الذين ضخم عصر الفساد أنانيتهم، وكما كشفت لنا الثورة عن الورد اللى فتح فى جناين مصر من شباب الـ«فيس بوك»، كشفت لنا عن الطحالب والعفن الذى خرج من أحشاء العشوائيات وأوكار البلطجة وغرز المخدرات ممن اقتحموا المحال وحرقوا المتاجر والأقسام، وروعوا الآمنين، لذلك لابد أن نعيد مناقشة ميعاد ترك الجيش للشوارع المصرية الذى لابد ألا يكون متسرعاً، ونطالب بأن تكون اليد أكثر ردعاً ولا يعنى هذا أن تكون أكثر بطشاً، فالأمن والردع والانضباط لا يعنى الإرهاب والبطش والقسوة.
متى يترك الجيش الشارع؟، هذا هو السؤال الذى يجب أن نطرحه الآن بكل جدية، فما أسمعه من استغاثات وحكايات رعب وقصص خوف من الأصدقاء والأهل فى جميع المحافظات شىء يدعو للقلق، والناس منزعجة من الشائعات، وأيضاً من انسحاب الجيش من الشارع قبل استتباب الأمن، نعرف جيداً أن مهمة حراسة حدود الوطن هى مهمة الجيش الأساسية، ولكن التوقيت صعب الآن، والفراغ الأمنى مرعب، والثورة مازالت فى مرحلة النمو والنضوج ويجب ألا تجهضها سلوكيات عنيفة عشوائية.
نرجو من جيشنا العظيم الذى لم يعد للمصريين ملجأ أمنياً إلا هو، نرجو منه ألا يترك الشارع حتى يستقر الأمن، وأن تكون مهمته الأساسية، بجانب حراسة مكاسب الثورة، هى دعم الشرطة وعودة الأمن الداخلى، لأن حدوداً خارجية آمنة حول وطن يرتعش ويرتعد من الداخل تصنع وطناً منقوصاً.